الخير والشر
كلمة Larom (أخلاق) أصلها لاتيني وهو Ilarom ترجمها سيسرون عن اللفظ اللاتيني achite at واللفظان يقصدان ما يخص الطبائع والتصرفات الإنسانية بصفة عامة وقواعد السلوك وتبريراتها بصفة خاصة, فالأخلاق هي منظومة القواعد التي يتبعها الإنسان في علاقاته مع بني جنسه. فيمكننا إذن أن نؤكد أن الأخلاق هي محور كل تفكير ما دام كل مشروع إنساني يسعى لتبرير نفسه, أي أن يثبت أنه يشارك في تحقيق ما هو مستحب, وفي استبعاد ما يعتبر سيئاً.
علم الأخلاق موجود. ويستحق اسم علم لأنه يحلل واقعاً, وهذا الواقع هو الأخلاق, الأمر الذي يحتوي على أمر آخر هو الرغبة في تهذيب العلاقات الإنسانية.
كل هذا يجب أن يُدرس في المدرسة منذ الصغر. فالمدرسة هي مكان تعلم العلم, مما يؤدي منطقياً الى التحرر من مبدأ السلطة. فلا يجب أن يسمح في العمر الذي يستيقظ (يتنبه) فيه الذكاء (أي منذ ولادة الطفل) بأن يخضع إنسان لمبدأ السلطة وأن يستبطن المعلومة الكاذبة التي تفسر فعل "يسمع" بفعل "يطيع" .. فمنذ دخول الطفل المدرسة يجب أن يتعلم أن يفكر بنفسه وأن يدرك أن المحظورات يجب أن تبرر.
لماذا تتغير الأخلاق مع الزمن وتختلف وفقاً للبلاد? ما هو المشترك بين كل الأخلاق?
ما هي وظائف الأخلاق في العالم والمجتمع?
ولماذ نحتِّم أن تكون الأخلاق عالمية: هل بدافع الرغبة أم بدافع الضرورة? هل الأخلاق في خدمة الطبقة المسيطرة? هل للأخلاقيين لغة مزدوجة? هل يمكننا أن نعرف ما هو الخير?
تلك هي الأسئلة التي يجب أن تدرس للجميع, منذ الصغر. هذه الأسئلة تشغل كل الحياة ....
هذه الطريقة في تناول موضوع الأخلاق ليست طريقة "صائبي الرأي" (مستقيمي الرأي), المفرطين في الرضا عن أنفسهم والإيمان بمعتقداتهم الذين يشتركون بذلك في جميع المظالم.
فلهؤلاء, درِّست الإجابات غالباً في صيغة المحظورات. أما طريقتنا نحن في التهذيب الأخلاقي, فستخلق أناساً قادرين على الجمع بين ذكاء العقل وذكاء القلب. قد لا يصبحون أفضل ولكنهم سيفعلون شراً أقل وخيراً أكثر لبنى جنسهم.
أليس هذا هو هدف الأخلاق الطيبة القديمة? على الأقل تلك الأخلاق العالمية التي تتلخص في هذه الصيغة, افعل الخير ولا تفعل الشر. أو لا تفعل بأخيك ما لا تحب أن يُفعل بك.
لكن ذلك ليس دقيقاً كما لاحظه من قبل أفلاطون: فقبل أن ننصح بفعل الخير. ينبغي أن نتفق على تعريف الخير.
إن بعض الأخلاق تبرر الضغط بالخير, فلصالحك, يمكن منعك من الكلام, بل يمكن أيضاً حرقك حياً, يمكن أيضاً أن نقول أن الخير هو ما ييسر الحياة. وعلى هذه الفكرة, تبنى أدبيات المُعالِج, فواقع الألم واللذة, وكذلك واقع القيم مثل احترام النفس والآخرين يدفعان إلى تعديل هذا التعريف نوعاً ما.
فمثلاً: هل يمكن لنا قبول التعرض للشبهات أو قبول العبودية لنحفظ حياتنا وننجو من الموت? ما هو ثمن الحياة? الأمر القطعي لكانط في هذا الشأن صيغة جيدة لكن يصعب تطبيقها في حالات معينة. يقول كانط: "قبل أن تتصرف, اسأل نفسك إذا كان اختيارك يمكن أن ينصب قانوناً عالمياً? "
تقيم العلمانية نظريتها في الخير على الاعتراف بأن الفرد متفرد وعالمي, وأن تفرده يقيم عالميته. هذا يعني أن الانتماء إلى جماعات يصبح في المقام الثاني ولا يبرر التدرج والمراتب في أي حال.
فالإنسان - سواء كان رجلاً أو امرأة, أسود أو أحمر, أصفر أو أبيض, مؤمناً أو غير مؤمن, متعلماً أو غير متعلم, سليماً أو معوقاً - فهو كنز لا يمكن استبداله.
هذه الفكرة ليست جديدة, إنها قديمة جداً, ولكنها عصرية (معاصرة) والعلمانية هي التعبير الأكثر عن الروحانية التقليدية. ولتبرير هذه الفكرة علينا أن نذكِّر بنصوص تعتبر مقدسة في كثير من الحضارات.
في الهند:
"لا توجد فروق بين طبقات الناس المختلفة فكل الناس من أصل إلهي".
(ماهبهاراتا) ملحمة سنسكريتية
"هذا منا أو هذا ليس منا, هذه هي وجهة نظر العقول الضعيفة. بالعكس, فالأرواح العظيمة, لها الأرض كلها كعائلة"
(كل بلد بلدي , كل إنسان أخي
من عصر سانجام
في الإسلام:
}ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض, لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً {
(القرآن - سورة الحج- آية 40)
"الناس سواسية كأسنان المشط"
(حديث نبوي شريف)
"ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى"
(حديث نبوي شريف)
في اليهودية:
"تحب قريبك كنفسك"
(التوراة - لاويين - الاصحاح التاسع عشر - آية 19)
"ما يغضبك, لا تفعله مع أخيك. هذا هو كل القانون. والباقي ليس سوى تعليق
((الضوء المخفي. قصة من القرن الثامن عشر)
في المسيحية:
"كل الناس يكونون جسداً واحداً وروحاً واحدة"
"بين غير المؤمنين, يوجد البعض مثل الوثنيين (المشركين) واليهود الذين لم يؤمنوا أبداً, هؤلاء لا ينبغي إكراههم على الإيمان: فالإيمان يتعلق بالإرادة وحدها"
)
يمكن للقارىء -إن شاء أنْ يجد كلمات أخرى قيلت في أزمنة أخرى, في الصين وفي اليابان وفي أفريقيا وفي الأمريكتين, أول أمس واليوم, لا ينبغي البحث طويلاً للعثور على هذه الكلمات التي تقول إن الفرد هو الواقع الأعلى وإن عليه (أي الفرد) أن يختار طريقه دون ضغط (إكراه) لا يحق لأحد أن يسيطر على بني جنسه.
لا يوجد مؤمنون وغير مؤمنين. لا يوجد سوى أناس يبحثون لا يحق لأحد أن يدعي أنه يمتلك الطريق الوحيد لأن الناس - وهم متشابهون لأنهم يعيشون سوياً تجربة تفردهم - لا يصبحون أفضل بالانضمام إلى طائفة أو الانتماء إلى فكر مغلق. هذه الكلمات هي كلمات الرسالةالأخلاقية تتركز في المساعدة والايقاظ والحب.
إن التيه لشرط ضروري لأن يأخذ المسار التعليمي مجراه الطبيعي يقول المثل الحدي: "لا تسأل أبداً من يعرف الطريق الذي تريد أن تسلكه, وإلا فإنك لن تتمكن من أن تتوه".
مثل "بوهلي" من إفريقيا السوداء يقول بالضبط الشيء نفسه لكن في مزيد من الإيجاز:"إن قرية لا يقود إليها سوى طريق واحد لهي قرية سيئة لا تذهب إليها!"
السؤال الذي يطرح نفسة :هل الانسان خير ام شر ؟هل يحق ان نحكم على الانسان بكونة مؤمن او غير مؤمن ؟