عندما
اعتقل فهد أبو الحاج العام 1978 كان الشاب الذي لم يتجاوز 18 عاما، أميا
لا يقرأ ولا يكتب. وعلى الرغم من أنه كان يشعر قبل ذلك بالمرارة والخجل
الكبيرين إلا أنه لم يقدم على التعليم لأسباب مختلفة، إحداها أن جل وقته
كان يذهب في تربية الأغنام والعمل في أرض أبيه. أما اليوم فقد أنهى أبو
الحاج، الذي أمضى أكثر من 10 سنوات في السجون الإسرائيلية، رسالة
الدكتوراه عن "التجربة الديمقراطية للأسرى الفلسطينيين" ومن المقرر أن
يناقشها قريبا.
وكانت السنوات الـ 10 في السجن كفيلة بتعليم أبو
الحاج أكثر بكثير من مجمل حياته، فدخل السجن أميا وخرج منه متعلما ومثقفا
وقياديا في "فتح" ومسؤولا عن أحد أهم المراكز التي تعنى بشؤون الأسرى.
وتقول
"الشرق الاوسط" في تقرير لها اعدته عن الاسير السابق ابو الحاج ونشرته في
عددها الصادر أمس الاربعاء ان رحلة أبو الحاج في الأسر بدأت في سجن بئر
السبع عندما أخبره زملاؤه الأسرى أن يكتب رسالة لعائلته، فقال لهم بخجل
وهو الثائر إنه لا يعرف الكتابة، فتطوع بذلك أحد الأسرى، وهي رسالة معروضة
اليوم في مركز أبو جهاد للأسرى.
كانت هذه ثاني حادثة تهز أبو الحاج
الأمي، أما الأولى فسبقت سجنه بقليل، عندما طلبت منه جدته أن يقرأ لها
رسالة ما فتحجج بأن الخط غير واضح، ثم غادر المنزل وهو يبكي. وقال لـ
"الشرق الأوسط": "بكيت وشعرت بأني عالة على المجتمع". وبعد هاتين
الحادثتين، أصر أبو الحاج على أن يتعلم القراءة والكتابة لكن حلمه أخذه
إلى أبعد من ذلك، حتى وصل إلى شهادة الدكتوراه.
ويقول أبو الحاج إن
رسالته ستناقش أول تجربة ديمقراطية للفلسطينيين، وهي تجربة خاضتها الحركة
الأسيرة مبكرا قبل شعبها. وأوضح أبو الحاج: "أول تجربة ديمقراطية انتخابية
خاضها الفلسطينيون كانت انتخابات البلدية في 1976، لكن الحركة الأسيرة
خاضت ذلك قبل 5 سنوات في الـ71، عندما انتخب المعتقلون قيادتهم". وتابع
أبو الحاج: "تنقسم الانتخابات في السجون إلى قسمين حتى اليوم، وهي
انتخابات داخلية لكل فصيل على حدة، وانتخابات للجنة الاعتقالية العامة
التي من مهماتها متابعة كل قضايا المعتقلين مع إدارة السجون".
وسيحصل
أبو الحاج على شهادة الدكتوراه من الجامعة الحرة الهولندية، وهي بحسبه
معترف بها من اتحاد الجامعات العربية. وكان حصل على الماجستير من الجامعة
الأميركية، والدبلوم العالي من جامعة القدس في القدس المحتلة، أما
الثانوية العامة ففي معتقله.
ودرس أبو الحاج، قبل سجنه، حتى الخامس
الابتدائي، وقال: "كنت أروح من المدرسة وأسرح بالغنمات، وبعدين أفلح الأرض
مع أبوي، ما في وقت للدراسة". وأضاف: "كنت أترفع ترفيعا في المدرسة".
واعتقل
أبو الحاج لانتمائه لمجموعة عسكرية تابعة لـ"فتح" وما زال رفاقه في
المجموعة، نائل البرغوثي وفخري البرغوثي معتقلين منذ 32 عاما. ونائل هو
أقدم أسير فلسطيني الآن، واطلق سراح أبو الحاج ضمن صفقة تبادل الأسرى
الشهيرة عام 1985 التي نفذتها الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة. ولم تكن
مهمة أبو الحاج المولود في 1960 وينحدر من قرية كوبر شمال غربي رام الله،
داخل السجن سهلة، فقد كان يوفر من مصروف "الكنتين" (مصروف لشراء حاجياته
من مقصف السجن)، ويشتري أوراقه ودفاتره. وقال إنه كان يدرس 18 ساعة كل
يوم. لم يخجل أبو الحاج مما سماه تعليم "راس روس"، وأضاف "بعض زملائي كان
يخجل من ذلك وهذا أبقاهم أميين".
واجه أبو الحاج صعوبات لم تخطر له
على بال. فأحيانا، كانت حركة "فتح" تخشى من استقطابه من فصائل اليسار. كان
يحتاج إلى من يدرسه الرياضيات المعاصرة، ولم يكن هناك من يدّرس هذا
الموضوع إلا واحد من الجبهة الشعبية، فمنعته "فتح" من الذهاب إلى خيمة
الشعبية خشية أن يؤثروا عليه ويترك الحركة.
لكن راضي الجراعي
الموجه العام للسجن الذي ينتمي لـ"فتح"، سمح له أخيرا بالذهاب إلى خيمة
الشعبية على أن يحضر حصته ويعود، وقال أبو الحاج: "قلت لهم أريد أن أتعلم
فقط، أنا ما راح أصير مار ولا راح أتخلى عن فتح".
أما عن الفرق
الذي شعر به أبو الحاج بعد أن أصبح متعلما، فقال: "أنا كنت عالة على
المجتمع.. أنا كنت معدوما والآن أشعر أني على قيد الحياة".
خرج أبو
الحاج من سجنه في الـ 85، وعند اعتقاله ثانية في العام 1889، حكم عليه
بالسجن عامين، فقال في نفسه "سأستغل وجودي داخل السجن".
في سجنه
الثاني، ألف كتابه الأول عن قصص زملائه الأسرى، الذين تأثر بحكاياتهم
"فرسان الانتفاضة يتحدثون من وراء القضبان". وقال: "لم أرو قصتي لكن رويت
قصص الآخرين".
وبعد عامين خرج من السجن وألف كتابا آخر بعنوان
"انتفاضة الجوع من وراء القضبان". وفي التسعينات كتب سلسلة "جذور" عن
القرى الفلسطينية من 3 أجزاء.
ومع دخول السلطة عام 1994 عين مديرا
للارتباط المدني في أريحا، وظل عامين، وبعدها التحق ببرنامج الدبلوم
العالي في جامعة القدس، وهو مخصص لمن أمضى أكثر من 10 سنوات في السجن،
وحصل على الدبلوم في نهاية 2007، ومن ثم التحق بجامعة العالم الأميركية
وحصل على البكالوريوس في 2003. وأنهى أبو الحاج رسالة الدكتوراه أخيرا وهو
في انتظار مناقشتها. والمشرف على رسالته هو الدكتور اروي ديفيز.
ويعمل
أبو الحاج مديرا عاما لمركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس
في القدس، وهو متزوج ولديه 6 أطفال، 3 أولاد و3 بنات، ولا يبدو أن لطموحه
حدا قصة أسير فلسطيني من الأمية إلى الدكتوراه